جروح نازفة
جروح نازفة
باتت الأمة ممزقة، وتكالب عليها الأعداء من كل حدب وصوب، وتناحرت في ما بينها وتنازعت، فصارت الجروح شتى في البلاد، والنزيف يتزايد بين العباد، وهذه بوابة تهتم بملفات المسلمين والبلاد الإسلامية في العالم، التي تنزف الجراح من احتلال المعتدين، أو خلافات المتناحرين، حروب وانقسامات، وتدمير وإرهاب.. كل ذلك في جروح نازفة.
ملخص المقال
يتعرض الصومال لمحاولات التنصير منذ زمن بعيد، فما تاريخ التنصير في الصومال؟ وما مقترحات مواجهة التنصير والمنصرين في الصومال؟ وما دور العلماء والمنظمات
لا يزال النصارى يسعون جاهدين إلى تنصير المسلمين في كل مكان، ينفقون في سبيل ذلك مليارات من الأموال، ويبذلون كثيرًا من الجهود، ولا يتركون وسيلة إلا ويستخدمونها، ولا بابًا إلا ويطرقونه، ولا فرصة إلا ويستغلونها. وبحسب معلومات موثقة عرضها موقع (طريق الإيمان) الإلكتروني، فإن هناك حوالي 24.580 منظمة تنصيرية في العالم، أكثر من عشرين ألف منها تُغلِّف نشاطها التنصيري بالخدمات العامة، مثل: التعليم والعلاج..
ويعمل في هذه المنظمات حوالي 273.770 منصِّر ومنصِّرة، تفرغوا للعمل خارج المجتمعات النصرانية. وهناك 1.900 محطة تبشيرية تبث برامجها إلى أكثر من 100 دولة، بلغاتها المحلية. ويتلقى المنصِّرون تبرعات سنوية قد تصل إلى 150 مليار دولار.
لمحة تاريخية عن التنصير في الصومال:
يتعرض الصومال لمحاولات التنصير منذ زمن بعيد، من قَبْل أن يقع فريسة لقوى الاستعمار الأوربي البغيض؛ فكانت الحبشة (إثيوبيا حاليًا) تحاول استعادة الأراضي الصومالية مرة أخرى إلى سيطرتها؛ حتى إن الإمبراطور الحبشي (يوحنا) أصدر قوانين لتنصير المسلمين قسرًا، وقامت حروب بين الصوماليين المسلمين والأحباش الصليبيين، ولولا تدخُّل البرتغاليين داعمين للأحباش لاختفت من الخريطة الحبشةُ الصليبيةُ، ولصار أهل الحبشة كلهم مسلمين.
ولم يكن الصومال بعيدًا عن أطماع الدول الاستعمارية الغربية؛ وذلك لما يتمتع به ذلك البلد من مكان استراتيجي على المحيط الهندي والبحر الأحمر وإشرافه على مضيق باب المندب؛ فقد احتله البرتغاليون من سنة 1506م إلى سنة 1660م، ولكن خلال هذه الفترة الطويلة لم يتمكنوا من تنصير أحد من المسلمين. وفي النصف الثاني من القرن التاسع عشر حينما بدأت الدول الغربية في احتلال البلاد العربية والإسلامية لم يكن الصومال بعيدًا عن أعين هذه الدول؛ فقد احتلت بريطانيا شمال الصومال، واحتلت إيطاليا جنوبه، وقامت إثيوبيا باحتلال مدينة هرر والصومال الغربي، وهذه الدول الصليبية الثلاث -على الرغم من اختلاف مصالحها- تلاقت واتفقت على العمل على تنصير الشعب الصومالي المسلم..
وليس أدلَّ على ذلك من قيام الإرساليات الكاثوليكية بالعمل في شمال الصومال الذي تحتله بريطانيا البروتستانتية، كما كانت إرساليات بروتستانتية تعمل في الجنوب الواقع تحت سيطرة إيطاليا الكاثوليكية والغرب الواقع تحت سيطرة إثيوبيا الأرثوذوكسية. ولعل المساعدة العسكرية التي قدمتْها بريطانيا وإيطاليا وفرنسا للقوات الإثيوبية التي احتلت مدينة هرر وغرب الصومال تؤكد أن هذه الحروب كانت صليبيَّة بامتياز.
وبمجرد أن تم احتلال الصومال من قِبَل هذه القوى، فقد توافدت عليه عشرات المؤسسات التنصيرية؛ سواء كانت كاثوليكية أو بروتستانتية، وبدءوا في استغلال الظروف الصعبة للشعب الصومالي في بث السموم؛ فأنشئوا المدارس، وكان المنصِّرون يتجولون بين القرى والأرياف ويتنقلون مع البدو الرُّحل؛ حتى إن بعض العشائر تسمَّت باسم المنصِّر الذي لازمها.
وانتشرت الإرساليات التنصيرية في كافة أنحاء الصومال، وكل هذا بمعاونة المحتل الغاصب، وكان التنصير في بداية الاستعمار خفيًّا عن عيون العلماء؛ ففي الشمال اكتشف ذلك السيد محمد عبد الله حسن، فثارت ثائرته ونبَّه الناس إلى خطورة الأمر وأخذ يخطب بالناس ويجمعهم حوله، فأدرك الناس خطورة هذه المدارس التنصيرية، وأنها تسعى إلى هدم دينهم، فثارت ثائرتهم أيضًا، فحملوا السلاح ضد هذه الإرساليات والمدارس التابعة لها، وكذلك ضد المحتل الصليبي. وكان للسيد محمد عبد الله حسن دور كبير في هذا حتى استطاعوا طرد الإرساليات التنصيرية من شمال الصومال الذي كانت تحتله بريطانيا، وذلك عام 1912م. وكان عدد من استطاعوا تنصيرَه خلال عقود من الزمن هو 375 متنصرًا جرى نقلهم إلى جيبوتي، ولم يُعرَف عنهم شيء بعد ذلك..
وبخروج هذه الإرساليات خرج المنصِّرون من الشمال الصومالي ولم يعودوا إليه أبدًا في فترة الاحتلال. أما الجنوب فقد كان التركيز فيه أقوى من التركيز في الشمال، كما أنه لم تقم انتفاضة قوية كتلك التي قام بها السيد محمد عبد الله حسن ومن معه، وكانت هذه الإرساليات تتلقى دعمًا من المحتل الإيطالي، وكذلك من الحكومة الصومالية؛ بحجة مساعدتها على الخدمات الاجتماعية التي تقدمها.
التنصير بعد خروج المحتل:
حصلت الصومال على الاستقلال في عام 1960م، لكن المستعمر خرج وخلَّف وراءه ما هو أسوأ من الاستعمار في كثير من الأحيان؛ فقد خلَّف وراءه آلاف المنصِّرين والمؤسسات التنصيرية التي أمضى بعضُها أكثر من نصف قرن في الصومال؛ حتى تغلبت على كثير من المشاكل التي كانت تواجهها في البداية واستطاعت الاندماج في الوسط الصومالي، فكانت الفترة التي تلت خروج الاستعمار من أفضل الفترات التي مارست فيها هذه المؤسسات عملها التنصيري الهادم لكل الأخلاق والقيم وقبل ذلك العقيدة الإسلامية، وكان أهم عاملين ساعدا هذه المؤسسات على تكثيف العمل خلال هذه الفترة، هما:
- التوجه العَلماني الذي انتهجته الحكومات الصومالية التي تعاقبت على السلطة، والتي توجهت نحو الغرب وصارت تتودد إليهم، وبالطبع كان عليها أن تقدم خدمات ملموسة لهذه الدول الغربية كي تدعمها، وكانت هذه الخدمات هي العطف على رعايا هذه الدول ومساعدتهم، ورعايا هذه الدول هم المنصِّرون.
- اعتماد الحكومة الصومالية اللغة الإنجليزية لغة رسمية في البلاد، وهو ما دفع كثيرًا من الصوماليين إلى التوجه إلى مدارس الإرساليات التنصيرية؛ كي يحصلوا على وظيفة مناسبة.
ومن الغريب أنه في هذه الفترة تم وضع أول دستور صومالي، وذلك في عام 1961م، وقد تضمن هذا الدستور فِقْرة تتحدث عن حرية العقيدة لكل المواطنين، وفي الوقت ذاته تضمَّن فِقْرة أخرى تمنع الدعوة إلى غير الإسلام، وهذا من التناقض الكبير؛ فكيف يجري منع الدعوة إلى غير الإسلام، بينما تباح حرية الاعتقاد في بلد كل أهله مسلمون؟ وهذه الفِقْرة تعلقت بها الإرساليات والمؤسسات التنصيرية، وكانت تشجع أتْبَاعها على الذهاب إلى الجهات المعنيَّة لإعلان رغبتهم في التنصُّر.
أهم المؤسسات والإرساليات التنصيرية التي عملت في الصومال:
ومن أهم المنظمات والمؤسسات التنصيرية التي عملت في الصومال: الإرسالية الكاثوليكية، والإرسالية السويدية، ومنظمة المينونايتيون التي يتركز نشاطها في الصومال منذ خمسين عامًا من خلال برنامج (طريق يسوع بين الصوماليين) عبر الوسائل الإغاثية، ومنظمة كاثوليك ريليف التي تقدم المساعدة للمنظمات التنصيرية المختلفة منذ عام 2002م، إضافةً إلى (البرنامج العائلي العالمي) الذي يهتم بالنساء والأطفال، ومنظمة التطوير الإغاثية الكنسية (CRDE) التي تهدف إلى الدعوة الصريحة إلى النصرانية وتقدِّم الدعم الإغاثي للصوماليين عبر مشاريعَ إنمائيةٍ زراعيةٍ شمال غربي الصومال، ويجري فيها إيواء ما يزيد عن 300 ألف لاجئ..
ومنظمة مجتمع التوراة، وإرسالية السودان الداخلية، ومنظمة آباء كونسولاتا التي تمارس عملها التنصيري في ثوب إغاثي عبر إدارة وحدات طبية، ودُورِ أيتام ومدارس، ومنظمة أخوات كونسولاتا التي تقدم برنامجًا للإغاثة الكاثوليكية منذ عام 2002م، بالتعاون مع منظمة الصحة العالمية، يتضمن برامج غذائية للأطفال، ويهدف هذا المشروع إلى الوصول إلى تنصير 300 طفل سنويًّا.
الجهود الشعبية وجهود العلماء في مقاومة التنصير بعد الاستقلال:
إن التنصير في الصومال لم يتوقف ولا تزال المؤسسات التنصيرية تمارس عملها منذ أن وطأت أقدامهم أرض الصومال، وفي الفترات التي كانت تجد فيها بعض المضايقات من قِبَل الحكومات الصومالية كانت تقوم بتجميد نشاطها لفترة قصيرة، ثم لا تلبث أن تعاود نشاطها بضراوة بعد ذلك، لكن كان للعلماء دور كبير بعد الاستقلال في التصدي لهجمات المنصِّرين، نذكر من ذلك:
عندما تسربت أنباء عن توزيع موادّ تحتوي على شعارات نصرانية ومقتطفات من قصص الأناجيل المحرَّفة على طلاب المدارس، سارعت رابطة علماء الصومال -وهي مظلة جامعة لفصائل العمل الإسلامي في الصومال بما في ذلك التيار الصوفي- إلى التأكد من صحة الخبر، وقد حصلت على عيِّنات من هذه المواد وعقدت مؤتمرًا صحفيًّا في مقديشو أذاعت فيه بيانًا يرفض الممارسات التنصيرية ويدعو الشعب الصومالي إلى التصدي لها..
ودعوا إلى اجتماع في ساحة ميدان التربون الشهيرة في وسط مقديشو، وذلك في 12/4/2004م، وحضر هذا الاجتماع عدد كبير من العلماء الصوماليين، تحدثوا فيه عن أحكام الردة والمرتدين، وعن حكم بيع هذه المواد وتوزيعها، وحذروا من الخطر الذي تسببه هذه المؤسسات التنصيرية، وقاموا بإحراق بعض المواد التي كانوا قد حصلوا عليها.
التنصير والانتشار في الفراغ ومطاردة هيئات الإغاثة الإسلامية:
بعد سقوط الحكومة المركزية عام 1991م، وبعد الأحداث التي شهدتها الصومال، توجهت هيئات الإغاثة التنصيرية والإسلامية إلى الصومال. لكن لما كانت المنظمات الإسلامية أقرب إلى الصوماليين؛ حيث إن الشعوب تميل إلى من يماثلها في العقائد والأخلاق والقيم، وخاصة في بلد مثل الصومال كافة سكانه من المسلمين؛ لهذا فقد رحب الشعب الصومالي بالمنظمات الإسلامية وتقبَّلوا منها المعونة وكذلك الدعوة والنصيحة، وبهذا تكون المنظمات الإسلامية قد ملأت فراغًا أرادت المنظمات التنصيرية أن تستأثر به؛ كي تمارس نشاطها التنصيري بلا أية مشاكل أو عقبات أو منغصات.
لذلك استَعْدَت المنظماتُ التنصيرية الإدارةَ الأمريكية على هذه المنظمات الإغاثية الإسلامية، وهو ما جعل الإدارة الأمريكية تُلصِق بهذه المنظمات تهمة دعم المنظمات الإرهابية، وعلى أثر ذلك جرى منعُها من ممارسة عملها بالصومال، وهو ما جعل الساحة فارغة تمامًا للمنظمات التنصيرية؛ كي تنشر الفساد وتبث السموم دون حسيب ولا رقيب.
وعن خطورة الهجوم على منظمات العمل الخيري الإسلامي يقول الباحث محمد النجار (الخبير بمركز الخليج للدراسات الاستراتيجية) خلال ندوة (مستقبل مؤسسات العمل الخيري الخليجي في ضوء الاتهام الأمريكي لها بتمويل الإرهاب): "الحملة الأمريكية على هذه الجمعيات ترغب في القضاء على المكوِّن الديني لهذه الجمعيات وإفساح الطريق أمام جمعيات تنصيرية غربية لتحل محلها، خصوصًا في أفغانستان والبوسنة"، وهو الوضع نفسه في الصومال أيضًا. إن الحرب على منظمات الإغاثة والعمل الخيري الإسلامي هي جزء من الاستراتيجية الغربية للتنصير.
ومنذ عام 1991م والهيئات التنصيرية تنهش لحوم الصوماليين وتحاول فرض التنصير عليهم مستغلة بذلك الظروف الصعبة التي تعيشها البلاد: مِنْ تسلُّط أمراء الحرب على مقدرات البلاد، وكذلك الفقر والمجاعة التي يتعرض لها الصومال؛ ففي مطلع عام 2000م أعلنت الخارجية الأمريكية عن إرسالها 70 فرقة تنصيرية إلى جنوب إفريقيا، مؤهَّلين ومدرَّبين على العمل في أحلك الظروف في قلب الغابات والحروب والأمراض، وبالطبع كان للصومال نصيب كبير من هذه الفِرَق التنصيرية..
وظلت الساحة مواتيةً تمامًا لأعمال المنصِّرين ونشاطهم حتى تمكَّنت المحاكم الإسلامية عام 2006م من السيطرة على العاصمة الصومالية وهزيمة أمراء الحرب، هنالك أدرك المستعمرون القدامى والمنصِّرون الذين يشكلون ذراعًا للاستعمار في الصومال خطورة وجود نظام إسلامي في الصومال؛ فهذا النظام الإسلامي -حتمًا- سيوقف نشاط المؤسسات التنصيرية في الصومال ولو بالقوة.. هذا إضافةً إلى أنها كانت قد عملت فعلاً على القيام بدور إغاثي كبير في العاصمة الصومالية وغيرها من المدن، فما كان من إثيوبيا الصليبية إلا أن تقوم بحرب بالوكالة على المحاكم الإسلامية، وهو ما أدخل الصومال في حقبة جديدة من الاستعمار والتنصير كذلك.
وفي سابقة خطيرة تحدث لأول مرة في تاريخ الصومال أفرغت منظمة كَنَسيَّة هي (Swiss church) حمولة تزن أطنانًا في مدينة مركا (جنوب غرب مقديشو على بعد 100 كم تقريبًا)؛ وهي عبارة عن علب كرتونية تحتوي على لعب أطفال وعلاَّقات مفاتيح عليها صلبان، إضافةً إلى نُسَخ من قصص الأناجيل المحرَّفة، وكذلك بطاقات تهانٍ تحمل أسماء العائلات المُهدِية وعناوينها، ودعوة صريحة إلى الارتداد والتنصُّر، ووزعت هذه المواد السامة على طلبة المدارس في مركا في 1/4/2004م على أنها هدايا قيِّمة، وهذا التوزيع العلني للأناجيل المحرفة والصلبان هو ما لم يكن يحلم به التنصير في الصومال قط.
تنصير اللاجئين:
لم تتوقف الحملة التنصيرية عند تنصير الصوماليين في الصومال فقط، بل استهدفت اللاجئين الصوماليين أيضًا؛ ففي الأول من نوفمبر 2010م نقل موقع مفكرة الإسلام الإلكتروني خبرًا عن قيام المؤسسات الإغاثية الغربية باستغلال الظروف القاسية للاجئين الصوماليين في كينيا؛ من أجل إبعاد المسلمين عن دينهم، وقال الداعية محمد عمر جامع (أحد أبرز الدعاة في مخيمات اللاجئين) وَفْقًا لموقع (الجزيرة نت): "هناك أكثر من 15 هيئة إغاثة غربية في المخيمات، تعمل على إبعاد الجيل الصومالي الجديد عن دينه الإسلامي".
كما نقل موقع مفكرة الإسلام أيضًا على لسان أحمد عبد الله محمد (مسئول الجمعية الخيرية لمسلمي كينيا) قوله: "إن إغلاق مكاتب مؤسسة الحرمين الخيرية في كينيا شجع كثيرًا من المحسنين الكينيين على العمل الخيري بدعم المعاهد الإسلامية، ومراكز الأيتام، وبناء المساجد، وحفر الآبار، غير أن جهودهم لم تصل إلى مخيمات اللاجئين الصوماليين في كينيا، وهم الذين يقدَّر عددهم بأربعمائة ألف شخص".
الغفلة الإسلامية والعربية عما يدور في الصومال:
إن الصومال -على الرغم من كل ما يحدث فيه- بعيد كل البعد عن محلِّ اهتمام العرب والمسلمين؛ فبالكاد نسمع عن الصومال حينما تشتد وتيرة المعارك بين المتنازعين المتقاتلين، وبالكاد نسمع عنه حينما يكون هناك بعض التطورات السياسية المهمة، وما عدا ذلك فلا نسمع عن الصومال شيئًا؛ فالجامعة العربية نسيت (أو تناست) أن الصومال دولة عربية لها مقعد في هذه الجامعة المتفرِّقة، وليست المنظمات الإسلامية -كمنظمة المؤتمر الإسلامي وغيرها- بأفضل حالاً من الجامعة العربية؛ إذ يبدو أن الداء الذي أصابهم جميعًا واحد.
بل إن الصومال غائب عن مجال اهتمام العلماء والدعاة والمفكرين الإسلاميين، وقليل منهم من يتذكره، وقليل منهم مَن يدرك ما الذي يحدث في الصومال؛ حتى عندما قامت القوات الإثيوبية باحتلال الصومال لم تتحرك الجامعة العربية ولا المنظمات الإسلامية لإجبار إثيوبيا على الانسحاب من الصومال، وكأن الصومال جزء من روسيا أو الصين، لا يهمنا ولا يعنينا الذي يجري فيه من أحداث، وهذه مصيبة وربِّ الكعبة!
مقترحات لمواجهة التنصير في الصومال:
إن الواقع الصومالي بتعقيداته هو فرصة كبيرة جدًّا للمنصرين، وعلى هذا فلا بد من سُبُلٍ ذاتِ تأثيرٍ قوي تشترك فيها كل التيارات الإسلامية والمؤسسات الحكومية والوطنية في الصومال، خصوصًا في ظل وجود حكومة كانت ضمن قوات المحاكم الإسلامية التي عملت على صد التنصير لوقت كبير وقامت بدور إغاثي في العاصمة وغيرها من المدن، حتى أرَّقت المنصرين وعجَّلت بالغزو الإثيوبي للبلاد، ومن هذه السبل:
أولاً: السياسة:
فالسلطة الصومالية الحالية برئاسة شيخ شريف شيخ أحمد يجب أن يكون لها دور فعال وقوي في مواجهة التنصير؛ من خلال إصدار القوانين والتشريعات اللازمة لوقف هذا الخطر الذي يهدد الصومال بأكمله، وعليها أن تقوم بمراقبة البعثات الدبلوماسية وهيئات الإغاثة الأجنبية، وعلى هذه السلطة الصومالية أن تُثبِت بحق أنها تعمل لخدمة الإسلام في الصومال؛ وذلك من خلال صد هذه الهجمة التنصيرية.
ثانيًا: هيئات الإغاثة الإسلامية العالمية:
فيجب على هيئات الإغاثة الإسلامية العالمية أن تعمل على الدخول مجددًا إلى الساحة الصومالية للحدِّ من تأثير ووجود هيئات الإغاثة النصرانية التي تستغل هذا الفراغ في التأثير على المحتاجين وفرض النصرانية عليهم؛ ولأن هذه الهيئات متهمة دائمًا بدعم الإرهاب، فعليها أن تعمل على تغيير هذه الرؤية عنها. ونحن لا نطالبها بالدعوة إلى الإسلام بل بالحضور فقط؛ فبمجرد حضورها ينحسر وجود المنصرين، وهذا في ذاته خدمة جليلة تقدِّمها هذه الهيئات. وفي الوقت نفسه، فإن هذه الهيئات بحاجة إلى دعم إسلامي وعربي رسمي خصوصًا من الدول الصديقة للإدارة الأمريكية؛ بحيث تسعى إلى رفع تهمة الإرهاب عن هذه الهيئات وإيجاد موطئ قدم لها في الصومال.
ثالثًا: جمعيات وهيئات الإغاثة المحلية:
يجب أن تكون هناك جمعيات وهيئات إغاثة محلية يكون تمويلها من أهل الثراء في الصومال؛ بحيث تعمل هذه الهيئات على سدِّ الفراغ الذي تركته الهيئات الإغاثية العالمية، والأهم أن تكون هذه الجمعيات على مستوى مقبولٍ تقدِّمُ خدمات مقبولة من الناس حتى تستطيع تضييق مجال عمل الهيئات التنصيرية.
رابعًا: العلم بالنصرانية والحوار مع النصارى:
وهذا دور الشباب وطلاب العلم وكذلك المنظمات الإسلامية العالمية، مثل: (منظمة المؤتمر الإسلامية، والندوة العالمية للشباب الإسلامي)، فهذه المنظمات مطالَبَة بأن تقوم بعمل دورات تأهيلية لتدريب الشباب الصومالي على محاورة النصارى؛ بحيث يجري استقطاب عدد من هؤلاء الشباب خارج الصومال وتُجرَى لهم دورات مكثفة على أيدي أهل العلم المتخصصين في محاورة النصارى، وهذه معركة إن جرى الإعداد لها جيدًا، فإن النصر فيها والتوفيق من الله -عز وجل- للشباب المسلم.
خامسًا: العلماء وتوعية الناس بخطر التنصير:
إن العلماء هم رأس حربة الأمة في مواجهة كافة التحديات؛ فبهم يقتدي الناس، وعلى خُطاهم يسيرون.
والعلماء هم أصحاب الصوت المسموع، وأصحاب الأفكار البنَّاءة التي تؤرِّق العدو وتجعله يتخبط.
والعلماء هم الذين يملكون القدرة على التأثير في الناس وتنبيههم بخطورة التنصير وخطورة منظمات الإغاثة وخططها المشبوهة للتأثير على هوية وعقيدة الشعب الصومالي؛ ولهذا فالعلماء مطالَبون بأن يعيشوا وسط الناس ليل نهار لا يفارقونهم؛ يحدثونهم عن الخطر المحدق بهم ويدعونهم إلى الثبات على دين الله ويبيِّنون لهم كيفية التعامل مع المنصرين ويبينون لهم أيضًا فساد العقيدة النصرانية، وأنها عقيدة هشَّة سرعان ما تهتز إذا اقترب منها المتخصصون في النصرانية من المسلمين.
ومهما تحدثتُ عن دور العلماء فلن تكفينا المصنفات، لكننا نؤكد على أهمية دورهم، ونترك لهم اختيار الوسيلة المناسبة للقيام بهذا الدور.
سادسًا: الدوريات والبحوث:
وهذه مهمة المجلات والصحف التابعة للهيئات أو الأشخاص الذين يؤمنون بخطورة التنصير في الصومال؛ فهذه مطالَبَة بأن تُصدِر دراسات وبحوثًا ودوريات حول نشاط المنصرين في الصومال، وأسماء المنظمات التنصيرية، وكيفية عملها واستقطابها للناس، والأماكن المنتشرة بها، وهو ما يؤدي إلى أن يصير جزء كبير من الشعب مدركًا لتطورات نشاط المنصرين.
سابعًا: محاولة لم شمل الفرق المتنازعة على كلمة سواء:
لن أكون من المتفائلين أكثر من اللازم وأطالب المتخاصمين الصوماليين بالوحدة ونبذ الخلاف، بل فقط أطالبهم بأن يكون بينهم تنسيق في بعض القضايا المهمة، وخاصة قضية مواجهة التنصير. فهذا التنسيق لن يضرَّ أيًّا من هؤلاء المتخاصمين، لكنه سيؤدي إلى توحيد الجهود في مواجهة التنصير، وإنشاء هيئات إغاثية مستقلة لا تتبع أيًّا من هؤلاء المتنازعين، وتكون بعيدة عن النزاعات بينهم. ويكون من شأن هذه المنظمات تقليص المساحة التي تملؤها المنظمات الإغاثية التنصيرية.
المصدر: مجلة البيان.
روابط ذات صلة:
- الأمة الإسلامية في مواجهة التنصير بقلم د. راغب السرجاني
- وثائق تنصيرية بقلم الدكتور محمد عمارة
- الصومال بين مطرقة التنصير وسندان الفقر
التعليقات
إرسال تعليقك